العشق المستحيل


العيد
ما كنت أود أن يحل بنا العيد ونحن على هذه الحال. لكن ما باليد من حيلة. أنت سيدتي ومولاتي، ولا اعتراض لي على مشيئتك. عيدك مبارك، على كل حال.
أكاد لا أصدق أن عاما كاملا قد مر منذ عيدنا الأول. هل لا زلت تذكرين ذلك العيد؟ كنتِ في فاس، وكنتُ في تازة. ما عدتِ أنتِ في فاس، وما عدت أنا في تازة. الأرض التي ظننت أنها ستقربنا باعدتنا. برغم المسافات ، كانت أرواحنا أقرب مما هي الآن ربما. حينها، كتبتِ لي: «بك عيدي»، وأمسيتُ أسعد الكائنات. آه، كيف مضت الأيام عجلى وصرنا حيث نحن اليوم. لا تثريب عليكِ، طبعا. أنت تعلمين أني لا أؤمن بالندم، ما جرى قد جرى، ولا نية عندي لأعيد الساعة إلى الوراء حتى لو استطعت.

رغم كل شيء، كل عام وأنت بخير! رغم كل شيء، أنتِ لا تزالين عيدي الأبهى الذي أريد أن أحتفل به لأعوام عديدة قادمة. على الأرجح أني لن أراك لبعض الوقت، لكنني أعلم أنك أجمل ما في العيد. وعلى الأرجح أنك لن تسمعي مني شيئا باستثناء هذه الرسالة، فأدعو الله
أن تصلك وأنت بأتم صحة وعافية.



بلا عنوان
أرادت أن تراه قبل أن تسافر. كان مشغولا، لكنه لم يكن يدع شيئا يشغله عنها أبدا. «حسنا، سأزورك قبل أن تذهبي إلى المطار». جاءها وعلامات التعب بادية عليه. سألته إن كان على ما يرام، فقال إنه بخير لكنه لم ينم جيدا ليلة البارحة. طلبت منه أن يجلس على الأريكة الطويلة ذات اللون الزيتي القديم، فيما ذهبت هي إلى المطبخ وأحضرت كأسين من الماء. جلست إلى جواره، تنظر إلى عينيه. ابتسم. رفع ذراعه فوضعت رأسها على صدره دون أن تقول شيئا. اعتذر لها عن ذقنه غير المشذبة، فقالت: «لا يهم، المهم أنك هنا الآن». مغمضة العينين، أخذت تستمع إلى نبضات قلبه السريعة في صمت. كانت قد سألته من قبل لم ينبض قلبه بهذه السرعة. «لا أعلم حقا. لا أشعر بالأمان مثلما أشعر به بين ذراعيك، لكن يبدو أن لقلبي قلبا آخر لا أفهمه…».



مزاح

حين يكون معها لا يفكر كثيرا فيما يقول. يتكلم على سجيته لأنه يدرك أنها تعرفه جيدا، لأنه يظن أنها لا يمكن أن تسيء فهمه أو تفسر كلامه بشكل خاطئ. يقول شيئا بلا مبالاة -- كما هي عادته -- فتعاجله بتعليق ساخر. علامات طفيفة من الضيق تظهر على محياه. تقول له: «هيه، أنا أمزح معاك!»، فيرد عليها بكلمة واحدة: «أدري». تبتسم له فيبتسم لها. وللحظة يراودها الشك بأنه ربما ابتسم مجاملة فحسب، رغم أنه يكره المجاملات. لكنه أحيانا يفعل ذلك. تقول له بصوت تمتزج فيه براءة الطفولة بدلال الأنثى: «أنا آسفة، لا تزعل مني!». يطمئنها بأن لا تقلق، كل شيء سيكون على ما يرام. هو ليس متأكدا من أنها تصدقه. هو لم يكن أبدا متأكدا من أي شيء. يقول: الحقائق المطلقة في هذه الحياة قليلة جدا. كل شيء آخر، كل شيء، نسبي وقابل للتغيير.

سكايب 

حين لم يكن يتيسر اللقاء - وفي فاس، ما كان اللقاء يتيسر كثيرا - كانا يقضيان وقتا طويلا في الدردشة عبر «سكايپ». لم يكن الصوت والصورة مثاليين في معظم الأحيان، لكن شيئا أفضل من لا شيء. ما إن تظهر على الشاشة حتى يعاجل بإطراء جمالها. ترد مستنكرة: «ما الذي تتحدث عنه؟ شكلي مريع جدا!». يمط شفتيه متظاهرا بأنه لم يسمعها، ثم يخبرها كم يعجبه وجهها حين تعيد شعرها إلى الخلف تاركة بعض الخصلات لتلهو على جانبي جبينها. يضيف: «أنا أحبك كما أنتِ» فتبتسم في خجل. تسأله عن يومه، وكالعادة، لم يكن هنالك شيء يثير اهتمامه بما  يكفي ليخبرها عنه. تصر على سؤالها فيبدأ بالتذمر، والتذمر، والمزيد من التذمر، ثم يختم حديثه بجملة يكررها دوما: «في مملكة التفكير النقدي، أهم شي الأخلاق وحب الوطن وان الواحد ما يدخن». تضحك، ثم تواسيه: «لا بأس، ستتغير الأمور». يتمتم بغير اقتناع ولا مبالاة: بلى، بلى...
 

هناك تعليق واحد: